كان علي ان اغادر جدة في المساء .. قررت ان اقوم بجولة في منطقة الكورنيش .. استقليت سيارة اجرة .. السائق اليمني انقدته خمسة عشر ريالا .
لا تزال جدة مدينة رخيصة بكل المقاييس ؛ السائق اليمني حضرمي هو الاخر.. كفالته علي فندق العطاس ؛ مثل معظم موظفي الفندق العتيق .
انزلني السائق مقابل النافورة وسط البحر الاحمر ؛ سالت ان كان بامكاني الاقتراب اكثر ؛ فاشار بعصبية قائلا انها نافورة قصر ملكي..
المرتفع المائي ينشر البهجة وسط المصطافين ؛ حيث تمتص الرطوبة وهواء البحر الحرارة المفرطة لجزيرة العرب.
وحدهم اصحاب المطاعم المتلاصقة ؛ يجدون في مشهد النافورة واضواء القصر ؛ منظرا يغري الزوار للبقاء لبعض الوقت. اخترت مطعم ابو شقرة ؛ مطعم مصري نال شهرة واسعة في مصر اولا ؛ ثم الخليج لاحقا .. يقال ان مالكه رجل كبير في السن ؛ يظهر في فروعه في القاهرة كانسان عادي ؛ ينظف الحمامات ويغسل الارضية .. نجوم التلفزيون هم اول من صنع شهرة المطعم ؛ الذي يقدم المشويات والكباب والحمام المحشي.. اكلت قطع كباب ؛ وشربت عصير البطيخ ؛ ودفعت الثمن مقابل االاستمتاع بالنافورة.مشيت قليلا علي امتداد الشارع .. الحرارة والرطوبة تثقل الجو ؛ خصوصا لمن قضي بحر الاسبوع ؛ وهو يجد صعوبة في التنفس.
دخلت محلا للالبسة .. ملابس رجالية من كل الانواع والماركات ؛ ومثلها للنساء ؛ وجدت في الامر غرابة .. من يشتري كل هذه الاصناف ؛ والشعب يلبس اثوابا من مواد مختلفة ؛ ليس بينها القطن او الخيط ؛ اما الوقت كله فهو للحديث عن الشماغ الانجليزي.
عقلي المحدود لم يجد ما يفرق به بين شماغ و اخر ؛ او ثوب ومثله .. الالوان متشابهة ؛ والتطريز واحد ؛ واخيرا مالذي يدفع المرأ للبحث عن تفاصيل لا تتعدي رأس كم او طرفا من لثام ؟ .
وهنا فقط ادركت كم نعطي نحن اهمية خاصة لللثام ؛ وخلصت الي ان البدو ملة واحدة من المحيط الثائر الي الخليج الهادر.
انتقلت الي العطور ؛ ومحلات عبد الصمد القرشي لأول وهلة ؛ هالني ان يبقي من قريش من يهتم بالعطور ؛ فهي حالة ترف كبير ؛ فالعطر قمة الاحساس والارهاف .
لكن الروائح نفاذة وحادة .. عطر الانسان جزء من شخصيته ؛ كما قال بيير كاردان ؛ وهو يؤسس لعلاقة تجارية بين الانسان والبضاعة ؛ لكنني احسست بعد ساعة من السفر مع الروائح والعطورات ؛ ان ثمة مهمة مطلوبة من العطر ؛ لا يستطيع تحقيقها فهو سفير النوايا والرغبات.
كان مسك الغزال طبيعيا ؛ وجزء من تلقائية الانسان والحيوان في الجزيرة العربية ؛ ثم جاء البخور من الاشجار ؛ وظل دخانا مقبولا ينشر الرائحة الطيبة؛ ثم جاءت ابخرة وعطور من بلاد التوابل الكثيرة ؛ واخيرا جاءت الخلطات ؛ وهي اكبر قدرة علي ملامسة تحمل الانسان .. روائح قوية حادة ؛ لكنها تجد مستساغا في كل الأحوال ؛ والامور تنتهي بالتعود كما يقول اهل التربية .
كنت اود لو انهم بحثوا في الزهور ؛ مثلما يفعل الفرنسيون ؛ او استعادوا روائح الجزيرة ؛ لكن الأمر بات اكبر من ذلك ؛ وبات الاعلان والتراشق سمة مجتمع معولم ؛ مثل كل المجتمعات الأخري ؛ تحركها شهوة الاستهلاك ؛ اكثر من نداء النفس البشرية ؛ في احساسها الاعتيادي علي رائحة العطورتلك . غادرت عروس البحر الاحمر ؛ وهي تتهادي بين بحر دافئ ؛ وصحراء حارقة.
صحراء ميديا بتاريخ: 24/02/2008
http://www.saharamedias.net/smedia/index.php/2008-12-23-23-47-54/443-------.html
صحراء ميديا بتاريخ: 24/02/2008
http://www.saharamedias.net/smedia/index.php/2008-12-23-23-47-54/443-------.html
لكأنني صحبتك في هذه الصولة.. اسلوب رائع جداً.
ردحذف