الاثنين، 3 أكتوبر 2011

جدة .. بين البحر .. والرمل ..


كان علي ان اغادر  جدة  في المساء ..  قررت ان  اقوم بجولة في منطقة الكورنيش ..  استقليت سيارة  اجرة ..  السائق اليمني انقدته خمسة عشر ريالا .
لا تزال جدة مدينة رخيصة بكل المقاييس ؛ السائق اليمني حضرمي هو الاخر..  كفالته علي فندق العطاس ؛ مثل معظم موظفي الفندق العتيق .
 انزلني السائق  مقابل النافورة وسط البحر الاحمر ؛ سالت ان كان بامكاني الاقتراب اكثر  ؛ فاشار   بعصبية قائلا انها نافورة قصر ملكي..
المرتفع  المائي ينشر البهجة وسط المصطافين ؛ حيث تمتص الرطوبة  وهواء البحر الحرارة المفرطة لجزيرة العرب.
وحدهم اصحاب المطاعم المتلاصقة ؛ يجدون في مشهد النافورة واضواء القصر ؛ منظرا يغري الزوار للبقاء لبعض الوقت.  اخترت مطعم ابو شقرة ؛ مطعم مصري نال شهرة واسعة في مصر اولا ؛ ثم الخليج لاحقا .. يقال ان مالكه رجل كبير في السن ؛ يظهر في فروعه في القاهرة كانسان عادي ؛ ينظف الحمامات ويغسل الارضية .. نجوم التلفزيون هم اول من صنع شهرة المطعم ؛ الذي يقدم المشويات والكباب والحمام المحشي..  اكلت قطع كباب ؛ وشربت عصير البطيخ ؛ ودفعت الثمن مقابل االاستمتاع بالنافورة.مشيت قليلا علي امتداد  الشارع .. الحرارة والرطوبة تثقل الجو ؛ خصوصا لمن قضي بحر الاسبوع ؛ وهو يجد صعوبة في التنفس.
 دخلت محلا للالبسة .. ملابس رجالية من كل الانواع والماركات ؛ ومثلها للنساء ؛ وجدت في الامر غرابة .. من يشتري كل هذه الاصناف ؛ والشعب يلبس اثوابا من مواد مختلفة ؛ ليس بينها القطن او الخيط ؛ اما الوقت كله فهو للحديث عن الشماغ الانجليزي.
عقلي المحدود لم يجد ما يفرق به بين شماغ و اخر ؛ او ثوب ومثله .. الالوان متشابهة ؛ والتطريز واحد  ؛ واخيرا مالذي يدفع المرأ للبحث عن تفاصيل لا تتعدي رأس كم او طرفا من لثام ؟ .
وهنا فقط ادركت كم نعطي نحن اهمية خاصة لللثام  ؛ وخلصت الي ان البدو ملة واحدة من المحيط  الثائر الي الخليج الهادر.
انتقلت الي العطور ؛ ومحلات عبد الصمد القرشي لأول وهلة ؛ هالني ان يبقي من قريش من يهتم بالعطور ؛ فهي  حالة ترف كبير ؛ فالعطر قمة الاحساس والارهاف .
لكن الروائح نفاذة وحادة .. عطر الانسان جزء من شخصيته ؛ كما قال بيير كاردان ؛ وهو يؤسس لعلاقة تجارية بين الانسان والبضاعة ؛ لكنني احسست بعد ساعة من السفر مع الروائح والعطورات ؛ ان ثمة مهمة مطلوبة من العطر ؛ لا يستطيع تحقيقها فهو سفير النوايا والرغبات.
كان مسك الغزال طبيعيا ؛ وجزء من تلقائية الانسان والحيوان في الجزيرة العربية ؛ ثم جاء البخور من الاشجار ؛ وظل دخانا مقبولا ينشر الرائحة الطيبة؛ ثم جاءت ابخرة وعطور من بلاد التوابل الكثيرة ؛ واخيرا جاءت الخلطات ؛ وهي اكبر قدرة علي ملامسة تحمل الانسان .. روائح قوية حادة ؛ لكنها تجد مستساغا في كل الأحوال ؛ والامور تنتهي بالتعود كما يقول اهل التربية .
كنت اود لو انهم بحثوا في الزهور ؛ مثلما يفعل الفرنسيون ؛ او استعادوا روائح الجزيرة  ؛ لكن الأمر بات اكبر من ذلك  ؛ وبات الاعلان والتراشق سمة مجتمع  معولم  ؛ مثل كل المجتمعات الأخري ؛ تحركها شهوة الاستهلاك ؛ اكثر من نداء النفس البشرية ؛ في احساسها الاعتيادي علي رائحة العطورتلك . غادرت عروس البحر الاحمر ؛ وهي تتهادي بين بحر دافئ ؛ وصحراء حارقة. 

صحراء ميديا بتاريخ: 24/02/2008  

http://www.saharamedias.net/smedia/index.php/2008-12-23-23-47-54/443-------.html  

هناك تعليق واحد:

  1. لكأنني صحبتك في هذه الصولة.. اسلوب رائع جداً.

    ردحذف