التقيت الطيب صالح اول مرة في الرباط كنت علي وشك المغادرة الي وجدة مدشنا اول تحقيق عن واقع اتحاد المغرب العربي، لم يكن حبر الاتفاقية قد جف بعد وكنت منتدبا من قبل جريدة الشرق الأوسط لإعداد سلسلة من التحقيقات تنشر يوميا بالتزامن مع ايام القمة في تونس
قال لي الزميل طلحة جبريل الصحافي السوداني المعروف اتريد ان تلتقي الطيب قبل سفرك كانت مفاجأة حقيقية ذلك ان الطيب صالح سكن في الذاكرة منذ ا ن قرات موسم الهجرة الي الشمال اول مرة
حين التقينا قرأت للطيب بعض ما استظهرته من روايته وحكينا عن سلسلته الرائعة منازل العروبة وعن فندق مرحبا والقصر الرئاسي ولما غنت له منينة بصوتها الشجي في المذرذرة من شعر مجنون عامر وتحدثنا عن المرحوم ابنوا ولد ابنو عبدم ومحمد محمود ولد ودادي وسيل لا ينتهي من الذكريات التي خلفتها زيارته اليتيمة لموريتانيا
استمرت لقاءاتنا في اصيلة كل سنة عندما يطل شهر اب نسلك معا دروب المدينة القديمة حيث بيت محمد بن عيسي نتحدث عن الشعر وعن اهل موريتانيا وعن عبد الله بن اربيه وعن الاستاذ الذي عشقه الطيب وحفظ شعره ذاك هو المتنبي الذي تتقاطع حياته مع الطيب صالح في اكثر من مقطع كلاهما عرف الهجرة واشتغل بالسياسة وعاني من الحرمان وكتب الحكمة في الشعر والرواية
اخر مرة التقيت الطيب صالح كان ذلك في اصيلة سألته ان كان يعد لمشروع جديد بعد موسم الهجرة الي الشمال وعرس الزين واجاب بتواضعه الجم عندما يسمح ضغط الدم .
كان الضغط بداية مصاعب الطيب الصحية وكيف لا يؤثر المرض عليه وهو صاحب الاحساس الرهيف ومع ذلك كنا نجد بعض الوقت للحديث عن تلك المقارنات التي يحلو للرجل عقدها بين بلاد شنقيط وبلاد سنار.
ذات مرة اتصلت به في لندن وضربنا موعدا في هولبورن حيث مقر جريدة الشرق الاوسط واصر علي ان نتغدي سويا في الحي الذي عاش فيه مصطفي سعيد بطل رائعته موسم الهجرة الي الشمال مشينا بين هولبورن وسوهو مرورا باكسفورد ستريت كان الرجل يحفظ تاريخ المدينة التي قضي بها ربيع وخريف عمره فهنا علي بعد بضعة امتار توجد البوش هاوس او القسم الخارجي لاذاعة لندن حيث عمل مذيعا ثم رئيسا لقسم الدراما، وهنالك في تلك اللندن سيعيش بقية عمره مختارا ذلك المنفي علي بلده السودان
ورغم الهجرة سيظل الطيب مشدودا الي بلده مسكونا بثقافته وحين لا يذكر المتنبي مستشهدا بشعره فانه لا بد ذاكرا الشاعر السوداني الحردلو او شارحا مقطعا شعريا مليئا بالايحاء من الشعر الشعبي العائد الي البجاوية او الشايقية او الجاعلية تلك القبائل العربية القحة التي استوطنت السودان منذ القرون.
ذلك هو الطيب الذي غيبه الموت في لندن وقد ظل يعيد لسامعيه انه اخشي ما يخشي ان يسأل انه لم يكن طيبا ولا صالحا بلي ايها الانسان لقد كنت طيبا وصالحا وودودا، في الموسم المقبل لن تسلك ذات الازقة في اصيلة توزع الابتسامات وتنشر الكلمة الطيبة سيذكرك الجميع وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
صحراء ميديا بتاريخ: 20/02/2009
http://www.saharamedias.net/smedia/index.php/2008-12-23-23-47-54/3374-2009-02-20-11-01-40.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق