الثلاثاء، 20 مارس 2012

نيس (جنوب فرنسا): الرئيس ينتظرك منذ 16 عاما


تصعد السيارة وتهبط لتسلك المرتفع الجبلي حيث يمتد قصر مرامار مثل جبل آخر، يبتسم السائق الفرنسي الذي يقودنا عبر طريق تظللها أشجار النخيل والصفصاف ويقول لي "الرئيس بانتظارك منذ 16 سنة".
كانت نيس التي تبدو في فرجة بين النخيل والصفصاف مثل أية مدينة متوسطية ببيوت مسقوفة بالقرميد الأحمر ومحاطة بالأبيض المتوسط لدرجة الاحتضان، سلك السائق طريقا فرعيا لينزوي إلى إحدى بوابات القصر الذي حوله مالكه الثري إلى شقق فاخرة لمن يملك ثمن الاصطياف على الشاطئ اللازوردي، سلكنا قبوا طويلاً يؤدي إلى مصعد يقف أمامه رجلا أمن فرنسيان يبتسمان بلباقة ليرافقا زوار الرئيس. وفي الطابق الخامس فتحت زوجته الفرنسية الأصل مريم داداه الباب ليدخل أول صحافي إلى شقة المختار ولد داداه.
في الرواق المؤدي إلى الصالون علقت ألواح خشبية من تلك التي يستعملها الأطفال الموريتانيون في قراءة القرآن وقد بدت خطوط الكتاب الكريم ندية وكأنها خطت بالأمس. كما ظهرت بضعة صور لأطفال الرئيس الثلاثة الذين أصبحوا اليوم شبانا (فتاة وشابان).
قادتني زوجته إلى صالون صغير يؤدي إلى شرفة واسعة يطل منها مشهد بانورامي لمدينة نيس وتحتل مكتبة فرنسية الجزء الأكبر منه.. كتب في القانون الدولي، مذكرات سياسيين فرنسيين كتاب عن الجنرال ديجول وقصة أمين معلوف ليون الإفريقي وكتب كثيرة عن موريتانيا، وبين ثلاثة مقاعد وشجرة نحاس صف بيانو خشبي ركن فوقه تمثال لموزار وسجل نوتات سمفونيات لموزار وباخ تستعملها زوجة الرئيس في أوقات الفراغ لتزجية الوقت. جلسنا بضعة دقائق قبل أن يدخل ولد داداه وهو يرتدي الدراعة "الثوب البدوي الفضفاض".
بادلني التحية، كان علي انتظار بضعة دقائق لاستيعاب أثر الزمن على جسد هذا الرجل، فقد شاب رأسه وضعف صوته دون أن يفقد حيوية ذهنه وقدرته على تذكر المحطات القديمة في حياته رغم سنه المتقدمة (73 عاماً).
إلا أن ولد داداه الذي أثار الضجيج الكبير في بلاده بسبب تصريحاته ومقابلاته للصحافة الموريتانية التي تمت عبر الفاكس يختلف كثيرا عن الرجل الذي يجلس قبالتي، فقد بدا هادئا رزينا ممتلئا بالمرارة، لا لأنه لا يجد التجاوب المطلوب للعودة إلى السلطة مثلما يتصور الكثيرون، بل لأنه حسب ما يعبر عنه بطريقته الخاصة بالإيحاء دون "التصريح" الذي يستهجنه البدو "لم يجد الاهتمام والتقدير" في دولة يعتبر نفسه "مؤسسها وأحد أبرز رموز استقلالها".
وكان المدخل الاعتيادي للحوار معه هو السؤال عن وجود الرغبة في العودة إلى السلطة، تلك السلطة التي قال يوما عنها "إن لها طعما يتم التعود عليه"، يبتسم ولد داداه ليقول بإيجاز من تعود على الصمت "ليس بكيفية خاصة فالمسؤولية لها واجبات أكثر من فوائدها".
إلا أن أكثر ما يثير شجية ولد داداه للحديث هو عن الجسر الذي يفخر بأنه بناه في موريتانيا بين العالم العربي وإفريقيا "انتماؤنا لعالمين هو مصدر غنى" إلا أن التوازن العرقي بين أقلية زنجية وأغلبية عربية يثير الصدام اليوم في موريتانيا حيث يعتقد الكثيرون بأن ذلك كان إجحافا بهوية موريتانيا العربية ويرد ولد داداه ممتعضاً "لا يمكن الشك في عروبتنا التي نفخر بها ولا يمكننا نسيان إفريقيا. التاريخ والجغرافيا جعلا من بلادنا جسراً للاتصال بين عالمين وهو ما أردنا أن نحافظ عليه حتى سنة 1978 (تاريخ الانقلاب الذي أطاحه). موريتانيا لها مكانتها في إفريقيا والعالم العربي ونحن ساعدنا في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، لقد تأخر اندماجنا في الجامعة العربية حتى سنة 1973 رغم أننا سوينا خلافاتنا مع الأشقاء المغاربة سنة 1969" وتشط الذاكرة بولد داداه إلى الزمن الوردي "حاولنا استرجاع ما فات وكما تعلمون زرت البلاد العربية كلها ما عدا أربع دول فقط وزارنا ملوك ورؤساء وبالنسبة لإفريقيا لعبنا دورا في بناء الوحدة الإفريقية وحصلنا على نتائج مهمة".
إلا أن موضوع التصادم بين الثقافة العربية (ثقافة الأغلبية) وبين الجماعات الزنجية التي تطالب بحضور أكثر على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي في موريتانيا ليس الموضوع الأكثر حساسية اليوم رغم ما يحمله من بذور التصادم في هذه الدولة الهشة، فطريقة ونهج السلطة التي مارسها ولد داداه على امتداد فترة حكمه التي دامت 18 سنة تأخذ الجانب الأكبر من النقاش الدائر اليوم بين السياسيين من أنصار اتجاهين الأول يتحلق حول الرئيس الحالي معاوية ولد سيد أحمد الطايع والثاني حول المعارضة السياسية التي يتزعمها أحمد ولد داداه (أخو الرئيس الأسبق) وحمدي ولد مكناس والتي تعتبر المختار ولد داداه رمزها الأول يقول ولد داداه "لقد ركزت على ترسيخ بنيان الوحدة الوطنية واحترام المصالح الاجتماعية والاقتصادية بكيفية عامة وأنا أخاطب الموريتانيين جميعاً".
ولكن الكثيرين ينتقدون طريقتك في الحكم وإرساء حزب واحد؟
يأخذ ولد داداه جرعة من الماء لترطيب حلقه ويقول "صحيح أنه كان حزبا واحداً، فعندما بدأنا الاستقلال في ظروف حرجة، كان النظام السياسي السائد هو الحزب الواحد، لقد اخترناه لأنه كان السبيل الوحيد لضمان الوحدة الوطنية، كنا قبائل نتعصب للقبيلة والجهة وبالتالي فإن لحمتنا مهددة، وبالرغم من أنه كان حزبا واحدا فقد كانت هنالك حرية للتعبير والقاعدة تنتقد القمة والقمة تعرف مسؤولياتها أمام الله وأمام الشعب، وعندما يعيد المرء النظر إلى الحياة السياسية يجد أنه داخل هذا الحزب كانت توجد تيارات وآراء مختلفة".
ونسأل ولد داداه إن كان يعتقد أنه رغم غيابه الطويل عن السلطة والحقائق اليومية للحياة في بلده قادر على لعب دور ما: "إن دوري هو تجميع الموريتانيين، المعارضة من جانبها والسلطة فكلهم موريتانيون، وعليهم التفكير في مستقبل البلاد". ونستقي من هذه الكلمات نبرة جديدة لم تلاحظها الصحافة التي تحدثت للرئيس عبر الفاكس فهو أكثر صراحة هذه المرة "لن أتقدم لاية انتخابات ولن أمارس أي دور خاص ومهمتي أن أعطي النصيحة عندما يطلب مني ذلك".
ورغم وضوح هذه الألفاظ التي عبر بها ولد داداه عن رغبة في عدم ممارسة السلطة إلا أنه ظل يطفو فوق الكلمات للبحث عن الدور المحدد الذي يناسبه "أعتبر أنني عملت أشياء كثيرة لهذا البلد" يقول ولد داداه، ويضيف "تسألونني إن كان لا يزال لدي دور محدد اطرحوا السؤال على الموريتانيين إن لي رأيي وواجباتي وهي تملي علي مواقف" ويستثير ولد داداه التاريخ الحديث لبلاده عندما كان رئيسا لموريتانيا غداة الاستقلال ليقول بمرارة "إن التاريخ قد سجل ما قمت به من أجل هذه البلاد وهو ما لا يمكن تلافيه أو نسيانه" ثم يتوجه إلى مكتبه ليريني كتابا جمعت فيه سلسلة من خطاباته في سنوات الاستقلال الأولى "هؤلاء الناس ينسون بسرعة أما التاريخ فهو يسجل كل شيء بأحرف ثابتة".
وعندما نعرض لفكرة وجود استمرارية تصوراته وأفكاره عبر حزبين سياسيين يمثلهما أخوه أحمد ولد داداه وصديقه ووزير خارجيته الأسبق حمدي ولد مكناس، يحاول ولد داداه التنصل من الحديث عن الموضوع "لست رمزاً سياسيا للمعارضة فهي تمثل جزءا من الحياة السياسية فقط، علاقتي يجب أن تكون مع الجميع" يقول ولد داداه.
إلا أن ولد داداه لا يفكر في عودة قريبة إلى بلاده "لن أعود الآن" ونسأله متى ستكون هذه العودة "لا أظنها في القريب" وما هي الأسباب التي تحول دونها يجيب ولد داداه "حين تكون الظروف العامة والخاصة مناسبة" ويتهرب من إضافة تفاصيل جديدة قبل أن يختم بالقول "إن للأمر علاقة بظروفي الشخصية".
وخلافا لما يعتقد سياسيون موريتانيون أن ولد داداه يرتب علاقاته مع الفرنسيين من منفاه الاختياري تمهيدا لعودة تستقطب إثارة إعلامية وسياسية فقد كان واضحا في تلخيص مثل هذه العلاقة "ليست لدي أية علاقات مع رسميين فرنسيين، كل ما في الأمر أن لدي أصدقاء، وأنا أعيش في بلادهم".
إلا أن البعض يتهمك بأنك تريد تجميع علاقات مع الرؤساء الأفارقة لتحصيل الدعم؟ ويجيب ولد داداه "كل ما في الأمر أنني زرت الكوت ديفوار والتقيت برئيسها الذي أعرفه" ولكنك اخترت جواز سفر بنينيا في حين عرض عليك جواز سفر موريتاني؟
"لم يعرض علي جواز سفر بطريقة رسمية، قال لي واحد خارج السلطة إنهم يريدون إعطاءك جواز سفر، فقلت له إذا كانوا يرغبون في ذلك فعليهم أن يفعلوا ذلك ولم تتم متابعة القضية".
وعن حديثه في تطبيق الشريعة يوم اتخذ من هذا الشعار سلاحا لجذب اهتمام الشارع الذي هدته سنوات حرب الصحراء الطاحنة قال ولد داداه "إن الشريعة هي دين الله ويجب العمل بما قال الله ورسوله، إلا أن على المسلمين التغيير في ما يتعلق بالنظام الاقتصادي والاجتماعي حسب ظروف الزمان والمكان".
وبعد أن اختتم ولد داداه حديثه طلب من زوجته أن تريني مكتبته العربية، وقادتني مريم داداه عبر سلم خشبي إلى مكتبة صغيرة، خلف طاولة مكتب، وعندما عدت إليه قال "أرأيت كتبي إنني أقرأ أحيانا في هذا المكتب، كتبا في الفقه والتاريخ وأسمع بعض الموسيقى"، وحين سألته إن كانت موسيقى موريتانية، ابتسم قليلاً قبل أن يردف "أحيانا أسمع لمطربة اسمها منينة إلا أنني لا أذكر اسم والدها".
كان ولد داداه يقول ذلك ونظره مثبت على درج يحتوي على اسطوانات موسيقية كثيرة، تأمل جدارية كبيرة تحمل صورة لبوابة في بلدة ولاته التاريخية في أقصى الشمال الشرقي الموريتاني، سرح بنظره بعيدا وكأنه يستجلي الأفق، وقال لي "هنا قضيت الأشهر الأولى من سجني أو إقامتي المحددة بعد الانقلاب" قبل أن يغيب في شقته وبقيت الصور الكثيرة والألواح الخشبية كبعض ما تبقى من خيط يشد هذا الرجل إلى موريتانيا التي يعتقد أن له بعض الفضل في بنائها. مجرد صور وأحلام بعودة مؤجلة إلى ما شاء الله.

الاثنين، 30 يناير 2012

آلفا يعود إلى وطنه

عندما وصلت إلى نواكشوط لأول مرة كان ذلك في منتصف السبعينيات.. ابن الريف الذي كنته بدا مشدوها بكل شيئ.. أضواء أعمدة الكهرباء، ومبني الإذاعة ومقر جريدة الشعب ومطعم زبيده.
حضرت آخر المهرجانات التي عقدها الحزب الحاكم آنذاك، والذي أشرفت عليه حرم رئيس الجمهورية مريم داداه في إطار الحملة الشاملة للإعداد لتطبيق الشريعة الإسلامية.
سيركب كل الحكام؛ لاحقا، ذات الشعار كلما أرادوا التقرب للشعب أو محاولة إلهائه عن وضع صعب وجلل.
وجدت نفسي مشغولا بأشياء كثيرة في الوقت المتسع للعطلة الصيفية التي أفسدت متعتها حرب الرمال القاتلة التي وصلت قذائفها أبواب نواكشوط.
 وزعت وقتي بين المهرجانات الحزبية وزيارة الإذاعة وجريدة الشعب، مفتونا بهواية مهنة كانت تتسلل كالفيروس إلى جسدي الفتي.
سأستحضر فيما بعد ما قاله  غابريل غارسيا ماركيز؛ وهو يتذكر ماضيه، بأن الصحافة هي أجمل مهنة في العالم.
في نواكشوط الفتية، والتي كان عمرها وقتئذ عقدين من الزمن، كانت الشوارع نظيفة، والمحلات التجارية مرتبة، والمطاعم قليلة، لكنها تستهوي الأجانب أكثر من أبناء البلد.
كنت أتسلل إلى المطعم القريب، أبحث عن مذاق التوابل، عن الطعم الذي لا تستوعبه مطابخنا الريفية اللهم إلا في المناسبات القليلة.
 كان اسم ذلك المطعم  باسم صاحبته "زبيده"؛ معلمة اللغة الفرنسية  في احدي مدارس نواكشوط الابتدائية، التي أصبحت صاحبة أكثر المطاعم شهرة في نواكشوط في تلك الأيام.
طباخ المطعم ونادله الأشهر هو شاب غيني طويل القامة اسمه "ألفا"، يظل اسم ألفا يتردد في الصالة الطويلة مشفوعا بطلبات كثيرة ومتنوعة يكافئ الفتي الغيني زبائنه بابتسامة عريضة وربما بإضافة مزيد من المرق أو الأرز؛ حسب نوع الطلبات.
كلما تردد اسم ألفا كلما شعر أصحاب المطعم بالرضى، وازدادت المداخيل، وتوسع الرزق، الغيني المنتمي لقبائل الفلان العريقة اختصر تاريخا من الهجرة إلى موريتانيا.
كان الآلاف  من مثله الذين سد عليهم  الرئيس الغيني الراحل احمد شيخو توري أبواب الرزق وحاصرهم، رحمه الله، في أرزاقهم فسلكوا طرق الهجرة إلى أوطان شتي  منهم الطلبة والسياسيون  والعمال البسطاء، يغسلون اللباس ويطبخون في البيوت ويبيعون الطعام الرخيص في المطاعم الشعبية.. مع مرور الزمن سيطلق عليهم الموريتانيون جميعا اسم "جلوات".
نسيت ألفا، فقد جرت مياه كثيرة في نهر الزمن، وربما أصبح المطعم الذي عمل به بيتا عائليا، أو شققا مفروشة.
نقلت زبيده عملها إلى فندق جديد في احد أحياء نواكشوط الحديثة العهد بالعمران، وضاع ألفا في أروقة المطبخ، لكن رسائله ظلت تصل إلى اللسان والمعدة دون إيضاح اسم المرسل في مطعم الفندق الجديد.
الطعم لم يتغير، والغيني الذي شاخ لم يعد يظهر إلى العلن، فقد تغيرت أشياء كثيرة من طريقة العرض وحتى أسلوب تقديم الطعام إلى الزبائن.
في رحلة إلى داكار وجدت زبيده؛ صاحبة فندق حليمة، في صالة الركاب وقد بدت متأثرة تذرف دموعا غزيرة.. وقبل أن أباغتها بالسؤال عن دوافع البكاء عرفت السبب، وجدته هو ذات الغيني العجوز  في مقعد متحرك وقد اصفرت عيناه، وبدا المرض في وجهه الشاحب وابتسامته الخافتة.
الرحلة إلى داكار  ومن بعد إلى كوناكري ستمضي به إلى المستقر الأخير، وجدتني أجلس بجانبه.. لم يعد الرجل قادرا علي الإفصاح، فلغته الفرنسية متكسرة، والابتسامة انتزعت منها أسنان بقيت لثتهما فارغة.
قال لي آلفا، بمزيج لغوي بين الفرنسية ولغة الفلان، إنه ذاهب إلى مرتفعات الفوتاجالون، حيث تنتظره الأسرة التي افتقدها منذ أربعة عقود، وانه سيستقر هنالك لبعض من الوقت  دون أن يذكر المرض الذي يأكل جسده المترنح.
كان آلفا مشغولا بمضغ الطعام الذي قدم له على متن الطائرة الموريتانية، طعام بارد يفتقد لأي طعم.. ربما كان بإمكانه إبداء بعض الملاحظات على طريقة الطبخ، ولكن هيهات.. ماذا عساه أن يقول وقد وصلت محطات العمر إلى النهاية.
قلت في خاطري: هذه هي غينيا.. لا يصلها آلفا إلا في محطته الأخيرة، يستوي في ذلك آلفا القادم من موريتانيا، وآلفا الذي غدا رئيساً في عقده السابع، كلاهما تقاسما الهجرة وصعوبة الحياة والأحلام العصية علي التحقيق.
آلفا كوندي أصبح رئيساً في خريف العمر، وآلفا الطباخ لن يجد متسعا من الوقت ليروي تجربة عمر ضاع سدي بين الطعوم والصحون كان بإمكانه هو الآخر أن يكون رئيساً... ولو للطباخين.
أكبرت في السيدة وهي تودع الغيني العجوز وفاءها، فهو نادر في هذه الأيام.. راقبت ألفا، وهو يمضي وحيدا إلى غربته الجديدة التي كانت وطنه الأول،  فما هي فائدة الوطن حين يصله المرء ولم يبق من العمر متسع.. غير انه بدفء الأحبة ربما يكتب للرجل عمر جديد.

الخميس، 12 يناير 2012

يومان في شنقيط.. بحثا عن تركة جد رحل غاضبا.. ماذا بقي من الكتب والنخيل

سار عبد الله ولد محمدي الي شنقيط بحثا عن تركة جد تفرقت تركته بين بيوت خربت وكتب تشتت.. وعاد يروي لنا مفاجأت رحلة الي وطن الأجداد.
تركنا شنقيط والشمس تسعى بهدوء للغياب وراء المرتفعات الجبلية..  القرص الذهبي لم يفلح في إرسال أشعة الدفء  إلى أجسام هدتها رياح الصحراء القارسة.
منذ أيام ونحن بصحبة والدنا محمد المختار هو يشد من عقد الحبل الذي ربطنا بالمدينة القديمة منذ أن هاجر قاضي شنقيط وأبناء عمومته هربا من حرب بدت لهم "سريالية"  بلغة أهل الحاضر، حين يتقاتل المتحاربون بالقسي والنبال  ويصلون صفوفا متراصة بالجامع الكبير.
غاب القاضي سيدي عبد الله بن محمد  في رمال الجنوب؛ واكتشف أولاده زراعة الحبوب  في منبسطات "شمامه" لكنهم بقوا مشدودين إلى النخيل يبادلون الحبوب  بالتمر،  ويعودون في كل مرة،  إلى شنقيط للتأكيد على عقود التملك من واحات النخيل إلى الكتب التي تفرقت اليوم  أشتاتا  بين المكتبات.
كانت رسالة القاضي وهو يقدم استقالته ويحمل كتبه انه تعب من الخلاف الذي شتت شمل القبائل وخرب المدن، وأنه بهجرته تلك ينقل جزءا من روح شنقيط إلى مكان آخر ويبث من علمها في صدور رجال آخرين ينقلونها بدورهم لأجيال تلو أخرى.
رسالة القاضي أعادها حفيده  محمد المختار ولد أباه وهو يتحدث في بدء ندوة تأسيس (مؤسسة بلاد شنقيط) على مسامع نخبة موريتانية بامتياز جاءت لتبارك جهدا لن يثمر إلا بجهود الجميع بدون إقصاء ولا تمييز.
سلكنا الطريق الرملي الذي يعبر النهر الجاف باتجاه حيث كانت بداية شنقيط الأولى عبور النهر الجاف، أعاد إليَّ ذكرى  دموع تلك المرأة الفاضلة التي ذرفتها مدرارا... كان ذلك في أواخر سبعينيات القرن الماضي حين سمعت أن  بطحاء  شنقيط سالت بعد سنوات عجاف.
لقد أيقظت الصورة  في ذهنها من الذكريات والمواجع وتذكرت والدها الشيخ الجليل وهو يموت ساجدا قبيل صلاة الفجر بقليل حدث ذلك في مرتفع رملي جمع أفئدة أهل شنقيط حول بيوت ملئها العلم والصلاح .
 
في البدء كانت أبير
وصلنا إلى "آبير" .. المدينة طمرتها الرمال وكاد النسيان أن يطويها لولا جهود رجل يرتفع كقامات النخيل في واحاته.
محمدو لد أبنو؛ واحد من أولئك البناة.. الرجل مفعم بالتحدي وكسب الرهانات الصعبة قبل عقود من الزمن حمل مع شقيقه محمد محمود الثروة التي جمعاها من التجارة ليدكا بها الصخور العملاقة في مرتفع جبلي، ويسيّران الطريق إلى شنقيط بعد أن كان الوصول  إليها
ضربا من المجازفة  المحفوفة بالمخاطر.
لم يبخل الرجل بماله وجهده وروحه، فقد قارب الموت عدة مرات وهو يسقط من المنحدرات الجبلية بينما وقف الناس يتفرجون عليه وهو يصنع المجد بمفرده .
فتح محمدو أبواب شنقيط العصية لكنه استقر في آبير احتجاجا على السياحة، التي كان يخشي أن تنحرف عن مسارها وتلوث سمعة المدينة وتفقدها هويتها.
يفخر ولد أبنو  اليوم  بالمسجد  الرائع بمنارته التي تنتصب وحيدة وسط رمال الصحراء، وكأنها توأم مسجد شنقيط العتيق ومنها يتردد صوت الحق ليملأ ذلك الفضاء الواسع.
ولاستكمال فروض الضيافة؛ يطلب محمدو من زواره تحية مسجد يحرص على الصلاة فيه وحيدا وسط ذلك اليباب المقفر ..نصلي ركعتي التحية، فتلتقي الجباه بالرمل سجادة المسجد الناصعة، فتحس أنك أقرب إلى  أصلك الذي كان من تراب. 
تغيب في لحظات التأمل قبل أن ترتقي درجات سلم المنارة، ومن ذلك العلو تشاهد الامتداد اللانهائي حيث الكثبان الرملية تهدد بطمر كل شيء بعدما غطت تلك المدينة العامرة بالحياة والناس... التي تقف اليوم فوق أطلالها.
(تلك الواحة البعيدة في الأفق هي جزء من النخيل الذي تركه أجدادنا) يقول أحد رفقاء الرحلة..
شاعر مقاتل
نعود إلى شنقيط... يحرص الوالد محمد المختار أن نزور المقبرة؛ تلك أيضا شنقيط الأخرى.. التي لا بد من الوقوف على أهلها.
لم نفلح في العثور بعد على (عبد الرحمن) جدنا الذي ترك أولاده يلحقون بعمهم الغاضب.. لابد أنه ينام قرير العين قرب إخوته.. يرفع أحدهم لوحا صخرياً عملاقاً،  نقرأ بوضوح اسم أحد فروع شجرة العائلة انه جدنا (محمد بن حبيب ).
غير بعيد تنتصب لوحة أخرى..  ذلك  سيدي عبد الله المعروف بـ(ول ارزكه)  كان يمكن لهذا
الشاعر والسياسي والرحالة أن يدفن في مكان آخر، ربما في فاس أو مكناس أو سوس أو جزء آخر من أرض الكبلة، فقد عاش في الجنوب، وخاض حروبا في الشمال،  وذهب في سفارات، وشارك في تمرد على ملك، و أنقذ إمارة من السقوط المريع،  ووضع لسنوات في لوائح الممنوعين من الدخول عند الحدود.
 يكتفي  ولد رازكه اليوم بمربع صغير من أرض صخرية،  ولوحة كتبت بخط مغربي لا تخطئه العين ربما للتذكير بحياة انفق اغلبها في الترحال في تخوم مملكة العلويين  .
لا تكتمل زيارة شنقيط دون الصلاة في مسجدها، اليوم يوم جمعة.. فرصة نادرة للمرء أن يري الشوارع المحيطة بالمسجد، وهي تضج بالحركة، الأزقة الملتوية تذكرك بمدن أخرى سبق أن زرتها تتطلع لفاس وأغاديز وتومبكتو.. وتعود إلى ذاكرتك أطلال أروان (في مالي) وهي تسلم روحها بعد سنوات من الجفاف والإهمال.. يجول في خاطرك أن المدن مثل البشر تولد وتشيخ ثم تموت..!
"هل تعيش شنقيط مصير مدن الملح؟؟".. الأخرى تتساءل وأنت تعبر الطرق المليئة بالبيوت الخربة، "لا أحد يجرؤ على وضع لبنات جديدة في هذا الخراب" يقول لي أحد أبناء المدينة إذ كل ما سعي احدهم للإصلاح سفه الآخرون حلمه ووضعوا عمله في خانة البحث عن الشهرة في سبيل منصب انتخابي أو قبلي.
لماذا يكون مصير كل مبادرة لإحياء شنقيط أن تؤد في المهد يتساءل عمدة شنقيط  محمد ولد عمارة فبجهود فردية استطاع العمدة الحصول على تمويل مستشفى لا يزال يحظى برعاية الإسبان حتى في سنوات القحط المالي التي لحقت بأوروبا في عقر دارها.
كان عمدة شنقيط يعول كثيرا على السياحة وخصوصا التضامنية منها، حيث انتزع من شركات أوروبية إرسال موظفيها لقضاء جزء من عطلهم في شنقيط،  ألا أن الفرحة لم تكتمل، فسرعان ما عجلت الحرب على الإرهاب، وعمليات انتقام القاعدة بقرار حكومي فرنسي وضع موريتانيا في دائرة الخطر، وبذلك تلاشت أحلام العمدة كحبات الرمال التي تذرها الرياح كل يوم في سفوح المدينة العتيقة .
ما بقي من السياحة هي الفنادق التي نمت مثل الأعشاب، والأسماء المكتوبة باللاتينية، والمكتبات التي فقدت وظيفتها...اللوحات  الخشبية تشير إلى أكثر من مكتبة تعرض للقلة من السياح مخطوطات قديمة، عملية بها من الفرجة أكثر ما فيها من التعلم.
كنوز تحتاج للترميم وللعناية وللباحثين، فثمة الكثير مما يمكن القيام به لكشف المستور من تاريخ شنقيط وتاريخ الإقليم كما حرص محمد المختار ولد أباه على التأكيد وهو يحث أهل شنقيط على العناية بذلك الموروث.
هل يكفي يومان لاستكمال زيارة شنقيط ولتقييم أثر استقالة جدنا من أهم منصب في المدينة في عصره؟؟  بالتأكيد لا يتسع الوقت المجتزئ من حضور الندوات لزيارة الأمكنة والإحاطة بكل شيء، والاستماع للرواة من أهل شنقيط الذين يروون لك التاريخ بطريقة مسلية وجذابة وكأنه جرى بالأمس.
 
قبيل الغروب
كان لا بد من الرحيل مجددا لعبور المنحدر الجبلي قبل استكمال الغروب... كنت مصرا على أن اسلك ذات طريق العودة التي سلكها جدنا قبل عقود طويلة، مع بعض المتغيرات في المسالك، إذ لم يكن قاضي شنقيط  في حاجة للاستعانة بمحرك البحث "غوغل" لأنه لم يحدد بعد وجهة الوصول عندما قرر السفر لقد ترك الأمر لناقته وللظروف والمستقبل. 
لكنه في النهاية استقر في أقصى الجنوب...!
وصلت  وجهتي بعيد منتصف ليل أول ليلة من السنة الجديدة بساعتين...وجدت أهل البلدة وقد غطوا في نوم عميق متجاهلين 
الحدود الزمنية الفاصلة بين السنتين وما يرافق ذلك من احتفال في المدن الكونية الأخرى.
استغرقت هجرة القاضي عدة أيام من السير المتواصل، من شنقيط إلا أنني اختصرتها في سبع ساعات عند ما وصلت الي "النباغيه".
قبل الخلود إلى النوم بقليل خطرت في ذهني فكرة سريعة: أنني نجحت  في منافسة وحيدة وفريدة  مع جدي..!! هل كان يستطيع  ذلك الرجل مجرد التفكير في عمر رحلة كهذه ؟؟ لا اعتقد أن مجرد التفكير المنطقي قد يؤدي لاحتمال كهذا  في عصر الإبل والخيول إلا إذا كان ممن ينطبق عليهم المثل الذي يضرب على سبيل التعجيز  واصفا من يسيرون السفن في البر... ماذا لو علم جَدي أنني كنت واحدا منهم ؟؟!.

الأحد، 18 ديسمبر 2011

" تاكوري".. راوي كونانكري الحزين !


ظل فندق "الغولف" أحد المحطات الإجبارية بالنسبة لي في كوناكري عاصمة غينيا،  ورغم موقعه في حي "مينيير" الشعبي إلا أن الشبان الموريتانيين الذين تعاقبوا على إدارة الفندق تركوا أثرا طيبا لدى كل من حط رحاله.
في غرفه الواسعة تشعر أنك تعيش داخل بيتك، يصل الشاي لمن رغب فيه، ويجودون عليك بخدمات كثيرة.
اعتاد "كاني" أن يفترش مصطبة خشبية عند بوابة الفندق تجعله في موقع الاختيار الاستراتيجي.... وقار الشيخ الفلاّني، وسيارته النيسان الحمراء اللون أصبحا من العلامات المسجلة؛ فهو حاضر على مدى ساعات اليوم جاهز  للانطلاق دائما وبأسعار منافسة.
في كل يوم نسلك مشوارنا الاعتيادي الذي يبدأ من وسط المدينة؛ حيث نمر على سلطة الصحافة أملا في ترتيب وثائق الاعتماد والتعريج علي المطعم اللبناني، وفي كل مرة يعيد "تاكوري" نفس الجمل وكأنه يقرأ من ذات الشريط.
...هنا جرت آخر محاولة انقلابية إشارة إلى بقايا الرصاص على جدران ثكنة عسكرية.. وهنا فندق "النوفوتيل".. وهذه العمارة يملكها رجل اعمال من الفلان.
طال الانتظار قبل أن تفرج السلطات في غينيا عن وثائق الاعتماد، ونحن نأمل في رحلة الي منطقة الحدود مع السراليون.
 يطلب الموظف كل يوم رسالة جديدة؛  وعندما نستفسر عن الأسباب  يجيب ببساطة :  "لأن رسالة الأمس  كتبت كوناكري بياء زائدة" ونعود أدرجنا علي نفس المسار، فيشتعل الشريط النائم في ذاكرة السائق :..هذا هو فندق النوفوتيل وهنا جرت آخر محاولة انقلابية وقبل ان يلفظ المقطع الأخير نردد معا :"وتلك العمارة يملكها رجل اعمال من الفلان"..  يبتسم "كاني" ويقول ببراءة : لقد أصبحتم تتقنون معرفة كوناكري.
أخيراً.. أفرجت السلطات عن وثائق الاعتماد، وصحبنا السائق إلى فوكاريا للقاء الشبان الذين تجندهم الحكومة لخوض معركة الدفاع عن الوطن التي لم يحسن الجيش إتقانها، وفي مكتب الوالي اكتشف السائق أن حضرة والي الإقليم من أبناء خؤولته وفي طريقنا أصبحت تلك القرابة جزء من اللازمة اليومية تذكر بعد التنبية الي ابرز المعالم التي نمربها.
عندما مررت آخر مرة على فندق الغولف في اطلالة سريعة علي كوناكري قال الشاب الموريتاني محمد الأمين الذي كان يدير الفندق ان السائق العجوز قضي نحبه، وترحمنا عليه فغداً حين نسلك نفس المشوار لن نجد من يملك أسرار كوناكري ويرويها بطريقة روائية تحسده عليها ايزابيل اليندي.

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

استقلال..تحت الخيمة


(مقال منشور في يومية الأخبار، نوفمبر 2006).
تمر ذكري الاستقلال فأستعيد نفسي صبيا يحتفل مع الآخرين في المدرسة بالمناسبة..ألعاب وأناشيد واستعراضات؛ وجو من البهجة يشد الأطفال إلى التشبث بالوطن.
حفظنا ألوان العلم، والتحذير من تزوير العملة، واسم الأستاذ الرئيس، ومعه نواب الجمعية الوطنية المعينين علي ورقة زرقاء، حفظنا مانشيتات جريدة الشعب وهي تطبع بالرصاص وعرق الرجال وأفكار الشباب.
 كلما كبرنا ازدادت المناسبات على الطريق، لعبة الكراسي الموسيقية التي احترفها العسكر زادت من المناسبات كل واحدة تلغي الأخرى.. عقد من السنوات ونحن نحتفل بذات الأرقام المكررة 12/ 12 ثم بدأ اليوم الوطني يستعيد جزءا من ألقه، لكنه ظل احتفالا ناقصا يستحي فيه الاعلام الرسمي من تذكر التاريخ القريب فالدولة تنشأ كل مرة من اليوم الذي يقلب فيه الحكم.
المختار ولد داداه والمصطفي ولد محمد السالك ومحمد محمود ولد احمد لولي ومحمد خونا ولد هيدالة انضموا الي السراديب المعتمة في أرشيف التلفزيون.
الاستقلال يطل هذه المرة بأمل جديد يجب ان لا يغيب فيه احد وان ينصف كل من أضاف لبنة في مسار البلاد معاوية ولد الطايع أيضا يجب أن ينال حقه، حقا كان أم باطلا  ففي موريتانيا الجديدة يفسح المكان للجميع حتى لا يتكرر الإقصاء.
في ذكري الاستقلال نستحضر الكثيرين ممن بنوا تاريخ هذا البلد ولم يذكرهم أحد أولئك الذين خطوا ألوان العلم، وانشئوا الجيش، وسيروا أولى الطائرات.. أولئك الذين بثوا عبر الأثير صوت موريتانيا الفتية.
كثيرون من هؤلاء لا يعرفهم أحد ولا تتذكرهم الدولة، لأن مكانتهم احتلها الوصوليون ومزورو التاريخ وسارقو خبز الحاضر ولأن هذه الزاوية لا تتسع لأسمائهم فأملي كبير أن تكون الذكري مناسبة لاستحضارهم، وأملي أكبر أن يقوم رئيس الدولة بلفتة اتجاههم حتي نستكمل المرحلة الانتقالية بحق فالطريق طويلة لوصل الماضي بالحاضر.

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

الحاج طاهرو...الذي لم ير مكة!


أبوجا عاصمة نيجريا الجديدة كل شيء يصنع الفرق بينها وبين لاغوس، فالمدينة  أكثر هدوءا وأقل صخبا  شوارعها الفسيحة سميت بأسماء العواصم الإفريقية: "شارع نواكشوط" واحد من تلك الشوارع الطويلة التي ترفد الطريق السريع إلى المطار.
بُـني  مطار أبوجا لتستفيد منه المدن القريبة المحيطة بالعاصمة  حين زرت ابوجا سعيا للذهاب الي كادونا  التي كانت تشهد صدامات شديدة بين المسلمين والمسيحيين  كان علي اختيار سائق لا يثير الريبة ويعرف كيف يتصرف حسب الظروف.
بدا "الحاج طاهرو" جديرا بالثقة.. خمسيني طويل القامة عريض المنكبين يمتلك قوة للدفاع وقتما دعت الحاجة الي ذلك؛ وقع الإشكال الأول مع الحاج حين تحدثنا عن "الهوسا"  فسلط عليهم أقذع الأوصاف اذ هو كما شرح لنا فيما بعد من "اليوروبا" ولا يحب الهوسا اطلاقا.
حين توقفنا في زاريا إحدي عواصم الهوسا سعيا للقاء الأمير وقع الاحتكاك الأول بينه وبين الحرس وبدل ان نظفر بلقاء امير لا تتأتي رؤيته كدنا نتسبب في حرب أهلية.
قال المصور السنغالي وهو يتوجس خيفة لا بد أن نبرح هذا المكان لأن الحاج ـ كما درجنا على تسميته ـ قادر أن يثير مشكلة جديدة.
حين خرجنا من "زاريا" بعد فشل في لقاء الأمير؛ قال السائق مزهوا وكأنه سجل علامة انتصار ألم أقل لكم إن الهوسا ليسوا جديرون بزيارتكم؟.... كدت اشتبك معه؛ لكنني كنت في حاجة إللى معرفته "بكادونا" التي تعيش بها بعض قبائل اليوروبا.
في الطريق إلى المدينة النيجرية روي لنا طاهر زيارته اليتيمة إلى الحج وكيف انه قضي معظم الوقت يجول في أماكن لا علاقة لها بمناسك الحج..!!
أحد زملائه روى لنا فيما بعد نتـفا من الرحلة الشهيرة التي قادت طاهرو إلى الديار المقدسة وكيف انه حين شاهد الزحمة  في مطار جدة آثر الانتظار لحين استكمال الحج ليصبح الحاج الوحيد الذي لم يزر مكة!.