الاثنين، 3 أكتوبر 2011

لا تطبيع تحت المانش


قطار اليورو ستار يختزل ساعة أخري من عمر الرحلة الاعتيادية بين باريس ولندن منذ أن ارتبطت بريطانيا باليابسة الأوروبية الاخري عبر نفق المانش.
قال سائق القطار إن الرحلة ستختصر لأن الإنجليز سمحوا للقطارات أن تزيد سرعتها بعد أن كانت تضطر إلي خفضها بصورة مذهلة إرضاءها لقوانين صاحبة الجلالة.
مال الركاب في الجوار إلي وقالوا جميعا انه شيء رائع أن تصل لندن من باريس خلال ساعتين  وأمنت لهم علي ذلك دون أن تطرف عيني  عن فصل من رواية باولا لايزابيل الليندي التي أعدت قراءتها للمرة الثانية.
كانوا ثلاثة إسرائيليين فتاة ورجال غلاظ لعل من بينهم من قتل فلسطينيا أو أساء إليه في أسوأ الأحوال   كانوا يتناقشون بحدة بالعبرية التي بدت لي صعبة الفهم رغم بعض الكلمات التي يخيل إلي أنها بالعربية  المحرفة  قليلا.
الفرنسيون الذين جلسوا في مقعد مجاور ظلوا يتحدثون عن الشواطئ بدءا  من السيشل حتى جزر الكاريبي البعيدة وعرجوا لبعض الوقت علي كينيا قبل إن يخلصوا أن إحداث النهب والقتل لم تتجاوز الكينيين.
 وبدا الفرنسيون  في حالة ارتياح لأن تجمعات السياح المنشغلون بالتفرج علي اسود الغابة كانوا في منأى عن كل ذلك القتل الهمجي الذي لا يعنيهم  في شيء.
الإذن اللاقطة كانت  تستمع إلي الإسرائيليين وهم يحاولون جذب اهتمامي تارة بتعليقات بلغات مختلفة ليس بينها العربية  لكنني اتخذت قراري واضحا أن لا تطبيع في الوقت الراهن علي الأقل  خصوصا في تلك العشرين دقيقة التي يعبر فيها القطار تحت بحر المانش.
عدت إلى باولا وهي تصارع المرض تحت سمع ونظر والدتها التي أبدعت في نقل أحاسيسها في تلك الرواية الرائعة  لايزابيل الليندي.
 قبل أن تخرجني صوت المضيفة عبر مكبر الصوت من الصفحات المليئة بالمداد والدموع بدت محطة  سانت بكرياس نمطا مختلفا.
خلفت بانكراس واترلوا التي ظلت رمزا للحرب والمصالحة بين الفرنسيين والإنجليز  استقبلتنا لندن بمطرها المدرار وبردها القاسي  بدا سائق التاكسي ثرثارا علي غير عادة الإنجليز وعندما سألني عن جنسيتي أجبته مختصرا إنني من بلاد الشمس فابتسم طويلا قائلا في المرة القادمة اجلب لنا قليلا منها معك  ابتسم كلانا قبل أن يعود الإنجليزي إلي بروده المعتاد خلف الواجهة الزجاجية التي تفصل بعضنا عن بعض وتذكرت أن قليل من الدفء نعمة  في بلاد تموت من البرد حيتانها .

صحراء ميديا بتاريخ: 15/01/2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق